المغرب 13/01/2020 بقلم حكيم بن حمودة
شهدت منطقتنا في الأيام الأخيرة تصاعد التوترات ومؤشرات النزاع والحروب .ففي أسابيع قصيرة
عرفنا تصاعد الصراعات وقرع الطبول التي تؤذن بتحول هذه النزاعات إلى حروب مفتوحة.وقد ذهب بعض المحللين والمتابعين للشؤون الدولية إلى أن هذه النزاعات تهدد السلم العالمية وقد تفتح الأبواب على مصراعيها لحرب عالمية ثالثة .
وقد برزت في بحر الأسابيع الأخيرة بؤرتا توتر هامتان تضاف إلى الحروب والنزاعات الكبيرة التي يعيشها العالم العربي وتحول ثورات الربيع العربي إلى حروب مفتوحة ورهيبة في سوريا وليبيا واليمن هدمت أسس الدولة في هذه البلدان وعلاقات العيش المشترك .
بؤرة التوتر الأولى تهم الصراع الأمريكي الإيراني والتي انطلقت منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترام الى البيت الأبيض والسياسة العدائية التي توخاها أمام إيران.وقد بدأت هذه السياسة مع انسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاقيات النووية لعام 2015 بالرغم من احترام إيران لأهم بنودها.وستكون هذه الخطوة بداية لتصاعد النزاعات في المنطقة بين الإدارة الأمريكية وحلفائها وخاصة المملكة العربية السعودية من جهة ونظام الملالي من جهة أخرى .
وسيعقب هذه الخطوة تصاعد التوتر في المنطقة ولعل من أهم علامات هذا التوتر وتصاعد طبول الحرب هو الهجوم منذ أسابيع للطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية لمنشات النفط في السعودية مما عطل نصف إنتاج المملكة.وستتوالى هذه الصراعات مع هجوم بعض الميليشيات الشيعية على السفارة الأمريكية في المربع الأخضر في العاصمة بغداد.
وهذه الصراعات والمواجهات الصغيرة ستقود الإدارة الأمريكية وبصفة خاصة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى الإقدام على خطوة تصعيدية كبيرة مع اغتيال الجنرال قاسم سليماني القائد الكاريزماتي للحرس الثوري وأحد أهم المتدخلين والفاعلين في السياسة الإيرانية في المنطقة .
ولم تقف إيران مكتوفة الأيدي أمام هذه التصفية بل قامت بقصف بعض القواعد الأمريكية في العراق .
ولئن أكدت المصادر والمسؤولون الإيرانيون اكتفاءهم في الوقت الحالي بهذا الرد المحدود فإن الوضع في المنطقة يبدو اليوم على صفيح ساخن .
أما بؤرة التوتر الثانية فتهم الوضع في ليبيا وتصاعد الصراعات العسكرية مع عجز المنظومة الدولية على فرض اتفاق سلمي على مختلف المتدخلين الليبيين.وقد عرف الوضع في ليبيا تصاعدا كبيرا مع محاولة الجنرال حفتر وحلفاؤه السيطرة على العاصمة طرابلس وإسقاط حكومة السراج.
وقد دفعت هذه المحاولات المتعددة حكومة السراج إلى التوجه إلى تركيا وحكومة اردوغان لحمايتها.فكان الاتفاق حول الحدود البحرية واستغلال حقول النفط والغاز بين الحكومتين والذي رفضه البرلمان الليبي متهما السراج بالخيانة.وسيشهد الوضع الليبي تصاعد التوتر مع إعلان تركيا استعداداها للتدخل العسكري في ليبيا لحماية حكومة السراج .
هاتان البؤرتان من التوتر تشكلان مثالين مهمين لانهيار الوضع العالمي ودخول الاستقرار والسلم العالمي مرحلة جديدة من الانخرام والتصدع قد تفتح الباب واسعا أمام حرب عالمية جديدة .
ولفهم خصوصيات الوضع العالمي الحالي لابد من العودة لتطوراتها وتغيراتها في العقود الأخيرة .وقد عرف الوضع العالمي في رأينا مرحلتين مهمتين – المرحلة الأولى هي نتيجة الحرب العالمية الثانية وانتصار القطبين الليبرالي بقيادة القوة العالمية القادمة ،الولايات المتحدة الأمريكية،من جهة والمعسكر الاشتراكي من جهة ثانية بقيادة الاتحاد السوفياتي أمام المعسكر الفاشي .وستكون نهاية الحرب وراء انقسام العالم إلى معسكرين أساسيين سيحكمان العالم الى نهاية وسقوط جدار برلين سنة 1989.وسيتمكن هذان المعسكران من التحكم في آخر الأسلحة ومن ضمنها السلاح النووي لضمان توازن رعب بينها أطلق عليها المحللون تسمية الحرب الباردة .
وقد حاولت بلدان العالم الثالث التي وصلت حديثا إلى الاستقلال التخفيض من حدة التوتر وحالة الحرب غير المعلنة بين المعسكرين من خلال بناء حركة عدم الانحياز ومحاولة بناء حياد ايجابي بين القطبين .إلا أن المنافسة بين المعسكرين هيمنت على الوضع العالمي وخلقت وضعية من التوازن الاستراتيجي ساعدت على حماية السلم العالمية وتجنب حروب عالمية ومآسي جديدة للإنسانية.
هذه الفترة وبالرغم من هذا التوازن لم تخل من الحروب والصراعات .إلا أن هذه الحروب والتي تمت تسميتها بالحروب ذات الحدة المحدودة أو (les guerres de basse intensité) لم تصل الى المستوى الذي يجعلها تهديدا للسلم العالمية ومدخلا لحرب عالمية جديدة .
هكذا حافظ النظام الموروث من الحرب العالمية الثانية وتوازن الرعب للحرب الباردة على مستوى معين من الاستقرار مما مكن من الحفاظ على السلم العالمي وتفادي مخاطر العودة الى حرب عالمية جديدة .
وسيكون سقوط الاتحاد السوفياتي مع نهاية جدار برلين وراء بروز فترة جديدة وظهور توازنات جديدة على المستوى العالمي .فغياب الاتحاد السوفياتي سيفتح الباب واسعا أمام هيمنة كلية للولايات المتحدة الأمريكية التي ستفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم .
سيعرف العالم في فترة الهيمنة منذ 1989 إلى بداية الألفية نظاما أحادي الجانب ستسيطر فيه القوة الأمريكية وتفرض فيه سيطرتها الإستراتيجية والعسكرية .وستقود أمريكا خلال هذه الفترة عديد التدخلات في مناطق متعددة من العالم لعل أهمها الحرب الأولى في العراق من اجل فرض انسحاب القوات العراقية من الكويت .كما سيعرف العالم خلال هذه الفترة تدخلا ثانيا في العراق انتهى بإسقاط نظام صدام حسين والتواجد العسكري الكبير وفي العراق في أفغانستان.
إلا أن التدخل الأخير سيكون نهاية النظام العالمي تحت الهيمنة الأمريكية أو بداية العالم ما بعد أمريكا .ويمكن تفسير نهاية الهيمنة الأمريكية الواحدة على العالم بعديد الأسباب ومن أهمها التكلفة المالية و الخسائر البشرية للحرب في العراق التي كان لها تأثير هام في الرأي العام الأمريكي حيث سيعمل اغلب الرؤساء الأمريكيين على الانسحاب من المنطقة العربية ومن كل بؤر الحرب والتوتر في العالم بداية باوباما إلى دونالد ترامب .
كما ستعرف هذه الفترة تصاعد التنافس من جديد بين القوى العظمى وبصفة خاصة أمام عودة روسيا إلى واجهة الأحداث وتنامي وتصاعد قوة الصين وتأثيرها في آسيا .
إن انهيار توازن الرعب الموروث من الحرب العالمية الثانية والتآكل السريع للعالم تحت السيطرة الأمريكية فتح الباب على مصراعيه لبروز عالم جديد يتميز بالفوضى ويفتقد كل قواعد الحوكمة والتنظيم.وفي ظل هذا الاختلال ظهرت عديد القوى الإقليمية ومن ضمنها تركيا وإيران والتي تحاول الاستفادة من حالة الفوضى لبسط هيمنتها في جهاتها ومناطق نفوذها.
وستكون هذه القوى الجديدة وراء التوتر وتصاعد قرع طبول الحرب الذي نعرفه في السنوات الأخيرة .
وعلى محدودية ما أسميته بالحروب الصغيرة وطابعها الإقليمي فإنها تشكل نقاط توتر كبيرة تهدد السلم العالمية ويمكن أن تعيد شبح مواجهة عالمية جديدة نظرا للارتباطات العالمية لأغلب المتدخلين وتحالفاتهم الدولية .
يعيش العالم اليوم حالة كبيرة من عدم الاستقرار والفوضى نظرا لتصاعد الصراعات والتنافس بين القوى العظمى وعديد القوى الإقليمية من اجل الهيمنة على العالم والدفاع على مصالحها .وتحتاج هذه الأوضاع إلى يالطا جديدة على غرار الاجتماع الذي جمع المنتصرين من الحرب العالمية الثانية من اجل وضع قواعد جديدة تحفظ مصالح كل المتدخلين وخاصة منهم البلدان النامية وتفتح حقبة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية تعيد الثقة وتؤسس لسلم عالمية جديدة .