رجل من رجال دولة الإستقلال

ليس من اليسير وليس من المألوف أن يحصل إجماع على رجل تحمل أكبر المسؤوليات السياسية في الدولة كما حصل حول السيد محمد الناصر،الرجل الذي خدم وطنه من مواقع عديدة،آخرها وأهمها رئاسة الجمهورية وهي المسؤولية التي توج بها مسيرة تجاوزت نصف القرن،تقلد خلالها كل المهام،واليا ووزيرا ورئيسا للمجلس النيابي ثم رئيسا للجمهورية.

والحقيقة أن هذا الرجل الذي كان أحد رجالات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة،رغم إختلافه معه مرات عديدة وهو أيضا أحد بناة الدولة الوطنية بل هو صانع أحد أهم دعائمها وهي السياسة الإجتماعية حتى إن الصحافة الوطنية أطلقت عليه أب السياسة الإجتماعية التونسية وهو كذلك باعث سياسة الحوار والتفاوض بين الأطراف الإجتماعية التي جنبت البلاد الهزات والقفزات نحو المجهول في العديد من الأحيان.

كل هذه الإعتبارات وغيرها من التفاصيل وآخرها إصداره لكتاب ضمنه خلاصة تجربته السياسية،جعلت رجالا مثله يشاطرونه نفس القناعات الوطنية يصرون على تكريمه وإيلائه المكانة التي يستحقها في زمن سيمته البارزة النكران والجحود وفي مقدمة هؤلاء الرجال البررة الأستاذ علي الشايب باعث مؤسسة علي الشايب للعلم والثقافة والإعلام،الذي إغتنم صدور كتاب الرجل الوطني الغيور محمد الناصر لكي ينظم له حفلا لتقديم كتابه لكنه في الحقيقة ليس تقديما للكتاب بل هو وقبل كل شئ إعترافا بالجميل لهذا الرجل لما قدمه لوطنه ولجهته جهة الساحل ولموطنه ومسقط رأسه مدينة الجم التي قبل محمد الناصر رئاسة بلديتها رغم مسؤولياته الوطنية الجسيمة والتي أهداها أحسن هدية لازال أريجها يعبق إلى اليوم وهي المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية الذي يحول كل صائفة مسرح الجم الأثري إلى قبلة لعشاق الفن الراقي.

جانب آخر من أبعاد هذا التكريم الذي حضره رجال الفكر والإعلام من أصدقاء محمد الناصر الكثيرين وهو الجانب الوجداني الذي يربط الرجلين محمد الناصر رجل الدولة والأستاذ علي الشايب الرجل الوطني الغيور الذي نهل من نبع المدرسة البورقيبية وكرس كل حياته لخدمتها بعد أن إنخرط فيها منذ شبابه الأول وأخلص لها العمر كله وهو نفس ما ينطبق على السيد محمد الناصر،لذلك فإن رابطا وجدانيا أساسه الأول حب الوطن يربط الرجلين منذ سنوات.

إن مؤسسة علي الشايب للعلم والثقافة والإعلام،بعد سنوات من التألق عبر تنظيم تظاهرات علمية وثقافية وإعلامية ملتصقة بالشأن الوطني ومشاغل الناس وخاصة فئة الشباب،ولأنها إكتسبت من الخبرة وكذلك من الشرعية ما يجعلها جديرة بتكريم رجل من قامة محمد الناصر الذي خير أن يقدم عصارة تجربته في كتاب وفي ذلك دلالة هامة وهي إيلاء الرجل القيمة الأبرز للكتاب كرمز للمعرفة والثقافة والإعلام،وهو كذلك رفع لشأن العلم والمعرفة عبر تقديم كتاب تقبله القارئون بكل لهفة ونفذت نسخ طبعته الأولى بكل سرعة وهو أمر علق عليه السيد علي الشايب بالقول »إن أحسن ما نقدمه لرجل خدم الوطن لسنوات طوال بكل صدق وإخلاص وأقتدار وهو إعلان شأن كتاب وضع فيه خلاصة تجربته السياسية والإنسانية ».

هذا اللقاء كانت له أبعادا أخرى عديدة تمثلت خصوصا في تلبية الناس لدعوة مؤسسة علي الشايب للعلم والثقافة والإعلام وقد حضر من وقعت دعوتهم وكذلك عدد ممن لم تقع دعوتهم وبلغهم خبر هذا التكريم وهو أمر مثلج للصدر باعتبار الظرف السياسي الصعب، وكذلك باعتبار تراجع كل ما هو ورقي في إهتمام الناس فلا الجريدة باتت تغري ولا الكتاب حافظ على أهميته.ولكن رغم كل ذلك كان العدد جديرا بالاهتمام وكان إقبال الناس على كتاب السيد محمد الناصر »جمهوريتان،تونس واحدة »خير دافع للمؤسسة كي تواصل على نفس النهج وهو إعلان مكانة الثقافة والفكر والإبداع والسير على نفس النهج الوطني وهو خدمة البلاد والعباد عبر تكريم قيمة المعرفة والعمل ونكران الذات والإنخراط في الشأن الوطني العام دون حسابات سياسية ضيقة.كما كرمت مؤسسة علي الشايب العلماء والمفكرين وأصحاب التجارب الرائدة.كرمت يوم 20 نوفمبر 2021 أحد أبناء تونس وأحد أعمدة دولة الإستقلال الأستاذ محمد الناصر على أمل أن يتواصل نشاط المؤسسة بنفس القناعات والتوجه.

هذا عن الحدث في حد ذاته،أما عن الكتاب وهو جوهر الموضوع في هذا المقال فإنه يندرج ضمن المخطوطات السياسية التي تؤرخ لشخص تولى مسؤوليات قيادية في الدولة ومن خلاله يقع التأريخ لفترة معينة من تاريخ أمة أو شعب أو وطن وهو أمر عادة ما يقبل عليه السياسيين في نهاية مسيرتهم ولنا في تونس تجارب عديدة في هذا الشأن إزدادت كما وكيفا بعد 14 جاني 2011 وذلك بإتساع مساحة الحرية وسهولة النشر.ولكن ما قدمه الأستاذ محمد الناصر في كتابه هذا هو أمر مختلف عن غيره من التجارب وذلك لأسباب عديدة أولها ما عرف عن الرجل من صدق ودقة وصرامة في كامل أطوار حياته السياسية ثم أنه رجل تحمل مسؤوليات عديدة ومتنوعة على المستويين الوطني والدولي وهذا هو الأهم،فقد عايش محمد الناصر تحولات سياسية هامة سواءا زمن الفترة البورقيبية أو ما بعدها وقد أهلته هذه الصفات كلها لأن يعود إلى الحياة السياسية بعد 14جانفي2011 ولأن يكون في صدارة الأحداث ويتحمل أكبر المسؤوليات في الدولة في فترة صعبة ومتقلبة.

كل هذه المعطيات تجعل من كتاب محمد الناصر وثيقة تاريخية ذات أهمية قصوى ولا شك أن الدارسين والباحثين والمؤرخين سيعتمدونها مستقبلا في بحوثهم ودراساتهم ولا شك كذلك في أن مؤسسة علي الشايب للعلم والثقافة والإعلام ستواصل رعايتها لكل ما هو جيد ومفيد للوطن والشباب بالدرجة الأولى.

*نص علي بن عمر

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.